من الحليف الأقرب إلى العدو الأشرس: القصة الكاملة لصراع ترامب وإيلون ماسك

الرباط في 8 يونيو 2025

بقلم بسيم الأمجاري

لم تكن العلاقة بين دونالد ترامب، الرئيس الأمريكي السابق والمرشح الرئاسي لعام 2024، وإيلون ماسك، الملياردير التكنولوجي الأكثر شهرة في العالم، علاقة عادية. فقد بدأت كتحالف قوي قائم على المصالح المتبادلة، وانتهت بتحولها إلى مواجهة مفتوحة مليئة بالاتهامات وتبادل التهديدات.

تَطَوُرات هذا الخلاف في العلن، أمام أعين الأمريكيين والعالم، عبر وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، حول العلاقة بين الطرفين من تحالف وثيق إلى صراع علني في تحول دراماتيكي، مما يُثير تساؤلات جدية حول مستقبل العلاقة بين السلطة السياسية وقوى المال والتكنولوجيا في أمريكا.

العلاقة الأولى: دعم سياسي سخي من ماسك

ماسك يدخل لعبة السياسة

في البداية، لم يكن ماسك معروفًا بانخراطه المباشر في السياسة، لكن في الانتخابات الرئاسية لعام 2024، اتخذ خطوة غير مسبوقة. دعّم حملة دونالد ترامب علنًا، ليس فقط بتصريحات التأييد بل بصرف أموال طائلة.

وفقًا لتقارير لجنة الانتخابات الفيدرالية، أنفق ماسك أكثر من 290 مليون دولار لدعم الجمهوريين، بما في ذلك حوالي 75 مليون دولار من خلال لجنة العمل السياسي “أميركا باك” التي أسسها خصيصًا لدعم ترامب. ساهمت هذه الأموال في تعزيز الحملة الانتخابية، خاصة في الولايات المتأرجحة، من خلال الإعلانات الموجهة والأنشطة الميدانية. 

الدافع وراء الدعم

كان دافع ماسك واضحًا: ضمان بيئة تنظيمية ملائمة لأعماله العملاقة، خاصة شركتي “تسلا” و”سبيس إكس”. فقد اشتكى مرارًا من “القيود البيروقراطية” التي تعرقل نمو الصناعات التكنولوجية في عهد الإدارات الديمقراطية.

من الحملة إلى البيت الأبيض: مكافأة الولاء

من رجل أعمال إلى صانع قرار

بعد فوز ترامب بالانتخابات، لم يتأخر في مكافأة ماسك. عُين هذا الأخير على رأس لجنة كفاءة الحكومة، وهي هيئة تهدف إلى مراجعة أداء الحكومة الفيدرالية.  كما طلب تعيين موظفين من شركاته في مناصب حكومية عليا، مما أثار تساؤلات حول تضارب المصالح. كما حصل على تسهيلات ضريبية كبيرة، منها:

  • إعفاءات ضريبية لسيارات تسلا الكهربائية في ولايات جمهورية، الأمر الذي أثار جدلاً حول عدالة النظام الضريبي. 
  • عقود بمليارات الدولارات لشركة “سبيس إكس” مع “ناسا” و”البنتاغون”، مما أثار تساؤلات حول شفافية العملية.
  • تسهيلات في اعتماد مركبات القيادة الذاتية.

القرارات المثيرة للجدل

لكن هذه القرارات لم تمر دون ضجة. إذ اتهم كثيرون ترامب بأنه يخدم المصالح الشخصية لأصدقائه الأغنياء، وخصّوا ماسك بالذكر. وقال بعض المحللين إن إدارة ترامب حولت الحكومة إلى منصة لتمكين الأثرياء، وليس لخدمة المصلحة العامة.

بداية الخلاف: “مشروع قانون قبيح”

ماسك ينتقد ترامب لأول مرة

اندلعت شرارة الخلاف الأولى مع إعلان مشروع قانون ميزانية ضخم من إدارة ترامب في أوائل عام 2025. بلغت قيمة المشروع 2.4 تريليون دولار، ووصفه ماسك عبر منصة “إكس” بأنه “قبيح وغير مسؤول”. دعا الكونغرس إلى رفضه، مدعيًا أن أموال الشعب تُهدر على “مشاريع لا مستقبل لها”، وأنه لن يدعم ذلك حتى وإن أدى إلى خلاف مع البيت الأبيض.

الرد من ترامب لم يتأخر

ترامب، الذي لا يتسامح عادة مع منتقديه، اعتبر هذا التصريح طعنًا في الظهر. في تجمع جماهيري في تكساس، قال بلهجة حادة: “إيلون ماسك؟ لقد كان يتوسل من أجل العقود. والآن ينتقد؟ سيعلم ماذا يعني أن يخسر دعم الدولة الأمريكية.”

الاتهامات تتصاعد: ماسك يلمّح لماضي ترامب

تصعيد شخصي وخطير

رد ماسك بتغريدة اعتُبرت الأكثر استفزازًا، ألمح فيها إلى علاقة ترامب بالملياردير المتوفي جيفري إبستين، المتهم بجرائم استغلال جنسي. رغم أن ماسك حذفها بعد ساعات، إلا أن الضرر كان قد وقع، ووسائل الإعلام التقطت الحكاية. عادت الأضواء إلى ماضي ترامب وسلوكياته المثيرة للجدل، في توقيت حرج قبيل الانتخابات.فضلا عن ذلك، واصل إيلون تهديده بدعم مرشحين ديمقراطيين.

ترامب يرد بتهديد مباشر

بعد أيام، خرج ترامب بتصريح علني نادر: “إذا دعم إيلون ماسك أي مرشح ديمقراطي، فستكون هناك عواقب وخيمة، لن يرى شركاته تبرم عقدًا فيدراليًا واحدًا بعد الآن.” كما وصف ترامب غريمه إيلون ماسك بأنه “فقد عقله” واتهمه بعدم الوفاء بالوعود. 

وبذلك، تحولت المعركة من خلاف سياسي إلى تهديد وجودي لمصالح ماسك التجارية.

من جانبه، لم يصمت ماسك. وعلى الرغم من تراجعه عن بعض التصريحات، إلا أنه استمر في انتقاد سياسات ترامب، مما جعل التوتر يستمر بينهما.

آثار الخلاف: خسائر لمختلف الأطراف

1. ماسك يدفع الثمن ماليًا وسياسيًا

بالرغم من تراجع ماسك عن بعض تصريحاته، إلا أن استمراره في الانتقاد قد يؤثر على علاقاته مع الحكومة الأمريكية.  كما أن الخلاف قد ينعكس سلبًا على شركاته، خاصة “سبيس إكس”، التي تعتمد بشكل كبير على العقود الحكومية. 

ومن نتائج هذه الخلافات، أن الأسواق لم تتأخر في التفاعل بعد تصعيد التصريحات، حيث:

  • انخفضت أسهم تسلا بنسبة 11٪ في أسبوع واحد.
  • واجهت “سبيس إكس” تحقيقات حول معايير السلامة في عقود حكومية.
  • تعرض ماسك لانتقادات من الجمهوريين، ووصفه البعض بـ”الخائن السياسي”.

كما شنت بعض وسائل الإعلام المحافظة هجومًا على ماسك، متهمة إياه بأنه “يظن أن ثروته تجعله فوق الدستور”.

2. ترامب يخسر دعم النخبة التكنولوجية

أما ترامب، فخسر واحدًا من أقوى حلفائه الماليين والإعلاميين. إيلون ماسك، الذي يمتلك السيطرة على منصات مؤثرة مثل “إكس”، بدأ بالسماح لشخصيات بارزة بانتقاد ترامب. بالإضافة لذلك، أصبح بعض الممولين التكنولوجيين يترددون في تمويل حملة ترامب خشية الدخول في دائرة الانتقام الرئاسي.

فالخلاف مع ماسك قد يؤثر سلبًا على صورة ترامب، خاصة بين مؤيديه الذين يعتبرون ماسك رمزًا للابتكار والتقدم. كما أن تهديداته بإنهاء العقود الحكومية قد تؤدي إلى فقدان الدعم من قطاع التكنولوجيا. 

3. المشهد السياسي الأمريكي

هذا الصراع يبرز بصور جلية تأثير المال والتكنولوجيا على السياسة الأمريكية.  كما يسلط الضوء على التحديات التي تواجهها الديمقراطية في عصر النفوذ الكبير للشركات والأفراد. 

ماذا بعد؟ مستقبل العلاقة وتأثيرها على المشهد الأمريكي

هل تنتهي العلاقة أم تعود؟

البعض يرى أن هذه “المعركة” لن تدوم، وأن الطرفين يعرفان كيف يتراجعان تكتيكيًا إذا لزم الأمر. لكنّ آخرين يرون أن مستوى الخلاف والتهديدات المتبادلة تجاوز الخطوط الحمراء.

أثر الخلاف على الناخبين

هذا الصراع قد يُفقد ترامب دعم شريحة من الشباب ورواد الأعمال الذين كانوا يرون في ماسك رمزًا للمستقبل الجمهوري المتجدد. كما أنه يضعف روايته بأنه “صديق الابتكار”.

أثر الخلاف على النظام السياسي الأمريكي

أما الأثر الأعمق فهو كشف هشاشة العلاقة بين القطاع العام والخاص. فحين يتحول الخلاف الشخصي بين رئيس وملياردير إلى تهديد لاقتصاد كامل، تظهر مخاطر دمج رأس المال بالسلطة دون ضوابط.

خاتمة

تحول العلاقة بين ترامب وماسك من تحالف استراتيجي إلى صراع علني، يعكس التحديات التي تواجهها السياسة الأمريكية في ظل تأثير المال والتكنولوجيا. الخلاف بين الطرفين قد تكون له تداعيات بعيدة المدى على المشهد السياسي والاقتصادي في الولايات المتحدة. ذلك أن أي خلاف بين طموحات السلطة وجشع النفوذ، قد يكلف الشعب والشركات والاقتصاد الثمن.

إن ما جرى بين دونالد ترامب وإيلون ماسك ليس خلافًا عابرًا، بل هو مرآة لما وصلت إليه السياسة الأمريكية: تحالفات تنشأ على أساس المصالح وتنتهي بانفجارات شخصية خطيرة.

للاطلاع على مقالات أخرى، يرجى النقر على رابط المدونة https://moustajadat.com

شاهد أيضاً

نبوءات محمد صديق أفغان 2027: انهيار أمريكا، حرب نووية، تنبؤات دقيقة أم خيال علمي؟

الرباط في 18 يونيو 20258 بقلم بسيم الأمجاري مقدمة: ما الذي يدفعنا لتصديق التنبؤات الكارثية؟ …

مغزى اختيار المغرب من طرف إيلون ماسك: استراتيجية طموحة وآفاق واعدة

الرباط في 17 يونيو 2025 بقلم بسيم الأمجاري في خطوة استراتيجية لافتة، أعلن إيلون ماسك، …

الخلود الرقمي: هل يمكن أن يخلد الإنسان في ذاكرة الذكاء الاصطناعي؟ (الجزء الثاني)

الرباط في 12 يونيو 2025 بقلم بسيم الأمجاري في الجزء الأول من هذا المقال، (نشرناه …

الخلود الرقمي: هل يمكن للإنسان أن يخلد في ذاكرة الذكاء الاصطناعي؟ (الجزء الأول)

الرباط في 11 يونيو 2025 بقلم بسيم الأمجاري ضمن سلسلة قضايا وملفات، نشارك قراء مدونة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *