
الرباط في 24 مايو 2025
بسيم الأمجاري
في مرحلة ما بعد الستين، يظن الكثيرون أنهم تجاوزوا مرحلة التحديات الصحية الكبرى، لكن الواقع أن الجسد يبدأ في هذه السن بإطلاق إشارات واضحة: لقد حان الوقت لإبطاء الوتيرة، وإعادة التفكير في نمط الحياة. عندما يشعر شخص في منتصف الستينات بإعياء شديد مصحوب بارتفاع في معدل ضربات القلب، فإن الأمر لا ينبغي تجاهله، خاصة إذا ارتبط بحالة من الضغط الشديد وقلة النوم والعمل المفرط.
في هذا المقال سنلقي الضوء على أسباب هذه الحالة، وخطوات التعامل معها، مع التركيز على من تجاوزوا الستين، دون أن نغفل أهمية الوقاية والتوازن لكل الفئات والأعمار.
أولًا: لماذا تظهر هذه العلامات؟ الأسباب المحتملة وراء الإعياء وارتفاع دقات القلب
1. الإجهاد المزمن
العمل لساعات طويلة تحت ضغط دون الحصول على قسط كافٍ من الراحة أو النوم يرفع هرمونات التوتر في الجسم، مثل الكورتيزول والأدرينالين. هذا يؤدي إلى تسارع ضربات القلب، وزيادة الضغط على الجهاز العصبي.
2. قلة النوم
النوم القصير أو المتقطع لا يمنح الجسم فرصة كافية لإصلاح الخلايا وتجديد النشاط. هذا النقص المزمن في النوم يرفع من معدل ضربات القلب ويؤثر على المزاج والتركيز.
3. أمراض القلب الكامنة
عند كبار السن، قد تكون هذه الأعراض مؤشرًا على بداية مشكلة في القلب مثل الرجفان الأذيني أو اضطرابات نظم القلب، حتى وإن لم تُشخّص سابقًا.
4. فقر الدم أو نقص فيتامينات
نقص الحديد أو فيتامين B12 شائع بين كبار السن، ويؤدي إلى تعب عام وخفقان. هذا يشير إلى حاجة الجسم لعناصر غذائية مهمة.
5. الجفاف أو نقص المعادن
قلة شرب الماء أو فقدان المعادن بسبب التعرق أو المجهود الزائد يخلّ بتوازن الجسم، ويؤثر مباشرة على نبض القلب.
ثانيًا: ما العمل؟ خطوات فورية عند الشعور بالإعياء وخفقان القلب
1. الراحة الفورية
يجب التوقف عن أي مجهود بدني فورًا، والجلوس أو الاستلقاء في مكان هادئ. التنفس العميق والبطيء يساعد على تهدئة الجهاز العصبي.
2. قياس النبض والضغط
ينبغي قياس معدل ضربات القلب وضغط الدم. إذا كان النبض فوق 100 وقت الراحة، أو كان هناك دوار أو ضيق تنفس، يجب التوجه فورًا لمستشفى المستعجلات.
3. شرب الماء
كوب ماء بارد قد يساعد، خاصة إذا كان الشخص يعاني من جفاف أو قلة سوائل.
4. استشارة الطبيب
زيارة الطبيب ضرورة قصوى في هذه الحالة، لا سيما إذا تكررت الأعراض. من المهم إجراء فحوصات شاملة للقلب والدم.
ثالثًا: نمط الحياة الصحي لمن تجاوز الستين
بعد الستين، يتغير التمثيل الغذائي، وتقل كفاءة امتصاص العناصر الغذائية، لذا يصبح للنظام الغذائي والحركة اليومية دور محوري في الحفاظ على صحة القلب والطاقة العامة.
1. النظام الغذائي المثالي
أ. أطعمة يجب التركيز عليها:
- الخضروات الورقية مثل السبانخ والكرنب تعزز إنتاج كريات الدم وتوفر الحديد والمغنيسيوم.
- الفواكه الطازجة الغنية بالألياف مثل التفاح والكمثرى تنظم الهضم وتمنع الإمساك المزمن.
- الأسماك الغنية بالأوميغا-3 (السردين، الماكريل) تقلل الالتهاب وتحمي القلب.
- الحبوب الكاملة (الشوفان، الكينوا) مصدر مهم للطاقة دون رفع السكر المفاجئ.
ب. ما يجب تقليله أو تجنبه:
- المقليات والزيوت النباتية المهدرجة، إذ تزيد من الالتهابات وتضعف الشرايين.
- المشروبات الغازية والأطعمة المصنّعة، خاصة تلك الغنية بالسكر الأبيض أو الملح المفرط.
- الدهون الحيوانية الثقيلة (مثل الزبدة بكميات كبيرة أو اللحوم الحمراء الدهنية).
2. الرياضة المناسبة بعد الستين
الاستمرارية والانتظام أهم من التشدد في ممارسة الرياضة.
أ. رياضات يُنصح بها:
- المشي المنتظم لا يحفّز القلب فقط، بل يُحسّن المزاج أيضًا.
- التاي تشي أو اليوغا يحسّنان التوازن ويقللان من خطر السقوط.
- تمارين التمدد تمنع تصلب المفاصل.
- السباحة لمن يعانون من آلام المفاصل.
ب. نصائح عامة:
- الأفضل ممارسة الرياضة بعد الفطور بساعة أو ساعتين وبشكل متدرج لا تبدأ بمجهود كبير.
- ارتداء أحذية مناسبة لتفادي إصابات القدمين.
- الالتزام بروتين أسبوعي دون انقطاع مفيد للنتائج طويلة المدى.
- راقب النبض أثناء وبعد التمرين.
- لا تمارس الرياضة إذا كنت مرهقًا أو مريضًا.
رابعًا: تنظيم العمل والحياة اليومية
الاعتراف بحدود الطاقة وتوزيع الجهد بشكل ذكي يساعد على الاستمرارية دون إنهاك.
1. تقنين ساعات العمل
- من الأفضل تقليص الأعمال التي تتطلب تركيزًا ذهنيًا عميقًا في المساء.
- تقسيم المهام على مدار اليوم (مثلاً: صباحًا أعمال عقلية، مساءً أعمال خفيفة) يقلل من الضغط العصبي.
- كبار السن لا يحتاجون للمنافسة أو إثبات الذات. بعد الستين، يجب أن يُعاد تقييم ساعات العمل وتوزيع الجهد على اليوم بما يناسب طاقة الجسم.
2. فترات الراحة
- ينبغي أخذ استراحة قصيرة كل ساعة أثناء العمل، حتى لو كان عملاً مكتبيًا.
- خذ “استراحة 5 دقائق كل 25 دقيقة عمل” (تقنية بومودورو المعدّلة لكبار السن).
- عند أداء أعمال منزلية، اجلس بين كل مهمة وأخرى لتفادي التعب المفاجئ.
3. نوم أكثر جودة
- ضبط موعد نوم واستيقاظ ثابت ينظّم الساعة البيولوجية (7 إلى 8 ساعات نوم ضرورية ليلاً).
- تجنّب السهر واستخدام الأجهزة قبل النوم.
- الاسترخاء قبل النوم، مثل القراءة أو التنفس العميق، يساعد على نوم أفضل.
- تهوية غرفة النوم، وخفض الإضاءة، وتجنّب العشاء الثقيل من العوامل المحسّنة للنوم.
خامسًا: الجانب النفسي والذهني
العقل الهادئ يُساعد القلب على الانتظام.
1. القلق والتوتر
- كثيرًا ما يكون سبب تسارع دقات القلب نفسيًا، أو بتفكير مستمر أو مخاوف صحية، خاصة مع ضغوط الحياة أو القلق من التقدم في العمر.
- العلاج يبدأ بالاعتراف بوجود التوتر والعمل على تقليله.
- مشاركة هذه المخاوف مع طبيب أو مستشار نفسي قد تكون مفيدة.
- الاستماع لموسيقى هادئة أو ممارسة الهوايات يقلل من التركيز على التوتر.
2. تمارين الاسترخاء
- التأمل لبضع دقائق يوميًا، حتى في كرسي مريح، يُخفّض معدل التنفس وينظّم دقات القلب.
- التنفس العميق المنتظم، حتى دون تقنيات معقدة، يُعطي الجهاز العصبي إشارات بالهدوء.
3. العلاقات الاجتماعية
- العزلة تزيد من التوتر والضغط النفسي.
- جدول أسبوعي للقاء الأصدقاء أو العائلة يخفف التوتر ويحسن الصحة العامة.
- المساهمة في الأعمال التطوعية أو المجتمعية تبثّ الإحساس بالجدوى وتُقلّل العزلة.
سادسًا: متى يكون الأمر خطيرًا؟ علامات تستدعي الانتباه الفوري
- ألم في الصدر.
- صعوبة في التنفس.
- دوار شديد أو إغماء.
- تعرق بارد مفاجئ.
- اضطراب في الكلام أو الرؤية.
عند ظهور أي من هذه الأعراض، لا تنتظر. اتصل فورًا بالإسعاف.
سابعًا: التغذية التكميلية ونصائح إضافية
في هذه المرحلة العمرية، قد لا يكفي الغذاء وحده لتوفير كل الاحتياجات. لكن، وهذا هو الأهم، يجب استشارة الطبيب قبل استخدام لأي مكمل غذائي.
1. مكملات مفيدة:
- مغنيسيوم: يُحسّن النوم ويهدّئ الأعصاب. يُفضل تناوله مساءً، على هيئة “مغنيسيوم غليسينات” أو “سترات”.
- فيتامين B12: ضروري لصحة الأعصاب والطاقة الذهنية، خصوصًا عند من يتناولون أدوية للحموضة.
- فيتامين D3 مع الكالسيوم: لدعم العظام والمناعة، خاصة لمن يتجنبون الشمس.
- أوميغا-3: يُقلّل الالتهابات ويحسّن انتظام ضربات القلب.
2. التغذية اليومية:
- وجبة فطور غنية بالبروتين والألياف (مثل بيض مسلوق + شوفان) تمنع التعب المبكر.
- تقسيم الوجبات إلى ثلاث رئيسية ووجبتين خفيفتين يحافظ على مستوى السكر في الدم.
- تجنّب المقليات والأطعمة الدهنية الثقيلة، خاصة في العشاء، لأنها تعيق الهضم وتؤثر سلبًا على جودة النوم.
ختامًا: الجسد يتحدث… فلنحسن الإصغاء
بلوغ سن الستين ليس نهاية النشاط، بل بداية مرحلة جديدة تتطلب فهمًا أعمق للجسد واحتياجاته. الإعياء وتسارع نبض القلب ليست مجرد علامات تعب، بل دعوة لإعادة التوازن.
مع تقدم العمر، يصبح الجسد أكثر حكمة، لكنه أيضًا أكثر هشاشة. لا تُعتبر أعراض التعب وتسارع القلب مجرد مظاهر عابرة، بل هي رسائل واضحة تدعو للهدوء، للمراجعة، وللاعتناء بالنفس دون تأخير.
من اختار أن يستجيب لهذه الإشارات بالتغيير في عاداته، لا يطيل عمره فقط، بل يطيل أيضًا سنوات العافية. ولنذكّر أنفسنا دائمًا: الحياة لا تتوقف عند الستين، بل تبدأ من جديد… بشكل أكثر وعيًا واتزانًا.
للاطلاع على مقالات أخرى، يرجى النقر على رابط المدونة https://moustajadat.com