الظلام الذي هز أوروبا: هل انقطاع الكهرباء في إسبانيا والبرتغال حادث عرضي أم بداية لأزمة كبرى؟

بقلم بسيم الأمجاري

في مساء يوم مفاجئ من أبريل 2025، عاش ملايين المواطنين في شبه الجزيرة الإيبيرية لحظات من الذهول والارتباك، إثر انقطاع مفاجئ وشامل للكهرباء غطى أجزاءً واسعة من إسبانيا والبرتغال. توقفت الحياة فجأة، وغرقت العواصم في الظلام، وانهارت البنية التحتية الرقمية واللوجستية في ظرف دقائق، تاركةً وراءها تساؤلات عميقة عن أسباب هذا الانقطاع المفاجئ وتداعياته السياسية والاقتصادية، بل وحتى خلفياته الممكنة بين الواقع ونظريات المؤامرة.

شلل حضاري في قلب أوروبا

انقطاع التيار الكهربائي لم يكن مجرد عطل عابر. فقد أصاب عمق الحياة الحضرية في واحدة من أكثر مناطق أوروبا ارتباطاً بالتكنولوجيا. توقف مترو الأنفاق والقطارات، وتعطلت إشارات المرور، مما أدى إلى اختناقات مرورية غير مسبوقة في المدن الكبرى كمدريد وبرشلونة ولشبونة وبورتو.

وعلى مستوى أوسع، شُلَّت حركة الإنترنت وتوقفت أنظمة الدفع الإلكتروني، مما أدى إلى توقف محطات الوقود والسوبرماركتات والمراكز التجارية. التجارة الإلكترونية عُلّقت بالكامل، في وقت أصبح فيه اعتماد الأفراد والشركات على هذا النمط من الاستهلاك شبه كامل. حتى المستشفيات اضطرت إلى تأجيل العمليات الجراحية غير المستعجلة، مكتفية بالحالات الخطيرة تحت رحمة المولدات الكهربائية الاحتياطية.

المطارات لم تكن أوفر حظاً، حيث تأخرت عشرات الرحلات الجوية، واضطُر بعضها إلى الهبوط الاضطراري في مطارات بديلة أو العودة إلى مطارات الانطلاق. الأضرار طالت كذلك قطاع الأغذية، حيث فُقدت أطنان من اللحوم والأسماك بسبب فسادها داخل ثلاجات توقفت عن العمل.

السبب المجهول وعودة الهواجس السيبرانية

حتى لحظة كتابة هذا المقال، لم تصدر أي جهة رسمية في إسبانيا أو البرتغال توضيحًا قاطعًا عن سبب الانقطاع. التفسير الأكثر تداولاً هو إمكانية وجود “خلل تقني” على مستوى الشبكة الأوروبية المشتركة للكهرباء. غير أن غياب الشفافية، وعدم تقديم رواية دقيقة، فتح الباب واسعاً أمام التكهنات.

من بين أبرز هذه التكهنات، احتمال وقوع “هجوم سيبراني منظم” استهدف البنية التحتية للطاقة. وبما أن دول أوروبا تعمل منذ سنوات على رقمنة شبكاتها الكهربائية وربطها بأنظمة تحكم ذكية، فإن هذا يجعلها أكثر عرضة للاختراق الإلكتروني. إذا صح هذا الاحتمال، فإننا أمام خطر لا يهدد فقط إمدادات الكهرباء، بل يمتد ليشمل الأمن القومي والغذائي والصحي.

خبراء الأمن السيبراني حذروا مراراً من سيناريوهات شبيهة، وسبق لوكالة الأمن القومي الأمريكية أن نشرت تقارير عن تجارب “هجمات وهمية” استهدفت شبكات الكهرباء لإثبات هشاشتها أمام الاختراقات.

التنبؤات الغريبة للعراف البرازيلي: صدفة أم مؤامرة؟

الغريب أن هذا الحدث، الذي يُفترض أنه تقني أو أمني، أخذ بعداً آخر في الإعلام الشعبي ومواقع التواصل، حيث ربط البعض بينه وبين تنبؤات العراف البرازيلي المثير للجدل “أتوس سالومي”، الذي يُلقّب بـ”نوستراداموس العصر الحديث”.

هذا العراف الذي ذاع صيته بعد تنبؤه بعدة تنبؤات، نذكر منها على الخصوص توقعه جائحة كورونا، واستحواذ إيلون ماسك على تويتر، ووفاة الملكة إليزابيث الثانية. كما أنه تنبأ بأن عام 2025 سيشهد “أحداث كبرى”، من ضمنها “أزمة طاقة عالمية غير مبررة”، و”انهيارات مؤقتة في البنى التحتية الرقمية”، و”انكشاف أسرار متعلقة بالحياة خارج كوكب الأرض”.

كما أنه تنبأ بأنه خلال عام 2025 سيتم الكشف عن التجارب السرية التي تقوم بها بعض الدول من أجل استنساخ البشر عن طريق التلاعب الجيني، وأن الذكاء الاصطناعي سيبلغ مرحلة يستطيع العمل بشكل مستقل لدرجة امتلاك الوعي الذاتي، مما سيسبب نقاشات أخلاقية وأمنية جد متفاقمة بين الدول. وأضاف ان سنة 2025 ستكون سنة كوارث طبيعية مثل الأعاصير والزلازل والجفاف وستضرب مناطق غير متوقعة.

أوروبا في مفترق طرق: البنية التحتية في ميزان الاختبار

بعيداً عن التنبؤات والأساطير، فإن ما وقع في شبه الجزيرة الإيبيرية يعكس هشاشة حقيقية في بنية الطاقة الأوروبية. من المفارقة أن هذا الحادث يأتي في وقت تعيش فيه أوروبا واحدة من أصعب مراحلها في ما بعد جائحة كورونا، والحرب في أوكرانيا، والأزمة الاقتصادية الناتجة عن ارتفاع أسعار الطاقة والمواد الخام.

الانتقال الأوروبي من مصادر الطاقة التقليدية إلى الطاقة المتجددة لم يكتمل بعد. بينما تسعى القارة العجوز للتخلص من التبعية للغاز الروسي، فإنها لم تبن بعد منظومة بديلة تضمن الأمن الطاقي الكامل. وفي هذا السياق، يصبح أي خلل تقني أو هجوم سيبراني كفيلاً بشلّ الحياة كما رأينا.

خسائر اقتصادية فادحة: كل ساعة تكلف ملايين

وفق تقديرات أولية من خبراء الاقتصاد في إسبانيا، فإن كل ساعة من الانقطاع الشامل للكهرباء كلّفت الاقتصاد ما لا يقل عن 30 إلى 50 مليون يورو. وتشمل هذه الخسائر تراجع المبيعات، وتعطل الخدمات، وخسائر في قطاع التخزين الغذائي، وتأجيل عمليات الشحن والتصدير، وخسائر في الإنتاج الصناعي.

ولا يمكن إغفال الأثر السلبي على ثقة المستثمرين الذين يرون في استقرار البنية التحتية عاملاً أساسياً في اتخاذ قراراتهم. إذا تكررت مثل هذه الانقطاعات، فإن الأمر قد يدفع بعض الشركات إلى البحث عن وجهات أكثر أماناً في ما يخص الخدمات الأساسية.

التداعيات الاجتماعية: قلق، رعب، وتراجع في ثقة المواطن

الجانب الإنساني كان الأكثر تأثراً. فالأسر وجدت نفسها في الظلام دون طعام محفوظ، والمسنون عجزوا عن استخدام أجهزتهم الطبية المنزلية، والطلاب لم يتمكنوا من متابعة دراستهم الإلكترونية، بل إن كثيرين عانوا من قلق نفسي شديد نتيجة غياب المعلومات.

هذا القلق لم يكن بسبب العتمة فقط، بل لأن انقطاع الكهرباء يمثل في العقل الجمعي رمزاً لانهيار الدولة الحديثة، وانكشاف النظام أمام تهديد غير مرئي. المواطن الأوروبي، الذي تعوَد على الاستقرار والوفرة، بدأ يعيد التفكير في مدى هشاشة هذا النمط من الحياة.

دروس الأزمة: لا يجب دمج كل شيء في الشبكة الرقمية

هذه الحادثة تُعدّ إنذاراً مبكراً بأن الرقمنة، رغم فوائدها الكبيرة، تُحدث نقاط ضعف قاتلة إذا لم تُدار بحكمة. لا يمكن، بأي حال من الأحوال، أن تبقى قطاعات حيوية مثل الطاقة والماء والنقل والاتصالات الصحية مرتبطة بالكامل بأنظمة رقمية عرضة للاختراق أو الأعطال المفاجئة.

تحتاج أوروبا، بل كل دول العالم، إلى إعادة النظر في نماذجها التشغيلية، وتوفير بدائل تناظرية احتياطية، وتوسيع استخدام مصادر الطاقة اللامركزية مثل الألواح الشمسية الخاصة والبطاريات المنزلية والمولدات ذاتياً التشغيل.

الخلاصة: هل نحن أمام أزمة طاقة جديدة؟

في ظل الصمت الرسمي والتكتم الإعلامي في بعض الحالات، تتعاظم الشكوك. توقيت الحادث ليس بريئاً، خاصة أن أوروبا تمر بمرحلة انتقالية حساسة سياسياً واقتصادياً. هذا الحادث لم يكن مجرد انقطاع كهربائي؛ بل هو اختبار حقيقي لقدرة أوروبا على الصمود في وجه الأزمات المعقدة.

إذا كانت هذه الأزمة مفتعلة، فهي تندرج ضمن سيناريوهات الحرب غير التقليدية بين القوى الكبرى، خاصة في مجال الطاقة. وإذا كانت عفوية، فهي كافية لتدق ناقوس الخطر بأن التقدم التقني لا يعني الحصانة من الانهيار.

إن ما وقع في إسبانيا والبرتغال ليس حدثاً محلياً، بل هو نموذج قابل للتكرار في أماكن أخرى، ما لم يتم اتخاذ خطوات حاسمة لبناء منظومات مرنة وآمنة ومستقلة في مجال الطاقة والبنية التحتية الرقمية.للاطلاع على قضايا أخرى، يمكن النقر على رابط المدونة https://moustajadat.com

شاهد أيضاً

الجريمة في مجتمعاتنا: من تفكك القيم إلى الحاجة لرؤية شاملة – الأسباب، المظاهر، والحلول الممكنة (الجزء الثاني)

بقلم بسيم الأمجاري شهدت بلادنا في السنوات الأخيرة تنامي ظاهرة الإجرام، مع اختلاف وتنوع في …

الجريمة في مجتمعاتنا: من تفكك القيم إلى الحاجة لرؤية شاملة – الأسباب، المظاهر، والحلول الممكنة (الجزء الأول)

بقلم بسيم الأمجاري كالعديد من المجتمعات، تشهد بلادنا في السنوات الأخيرة موجة متصاعدة من الجرائم …

الأحلام: بين العلم والدين والأسطورة… ماذا يدور في عقولنا أثناء النوم؟

بقلم بسيم الأمجاري مقدمة منذ فجر البشرية، شكّلت الأحلام لغزاً محيراً للإنسان، حيث كانت تظهر …

ابدأ بالمشي اليوم: 30 دقيقة يومياً قد تغيّر صحتك بالكامل

بسيم المجاري في زمنٍ تتسارع فيه وتيرة الحياة، وتسيطر فيه التكنولوجيا على تفاصيل يومنا من …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *